رياضة

نيجيريا والصراع على أفريقيا 2.0 – بقلم داكوكو بيترسايد


“س”يشير مصطلح “التدافع نحو أفريقيا” تاريخيًا إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين عندما استعمرت القوى الأوروبية القارة الأفريقية وقسمتها، سعياً إلى الهيمنة السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. لقد تعرضت أفريقيا للاستغلال بلا رحمة، وحتى الآن، لا تزال الندوب باقية. فبفضل مواردها الغنية وسكانها الضخمين، أصبحت نيجيريا هدفًا رئيسيًا للسلطات الاستعمارية البريطانية، وهي حقيقة تاريخية تؤكد أهميتها الاستراتيجية المستمرة في القارة. والآن، مع التقدم السريع إلى القرن الحادي والعشرين، بدأ تدافع جديد نحو أفريقيا. وهذه المرة، تتنافس القوى العالمية على النفوذ والموارد والأسواق بدلاً من الأراضي. ومرة ​​أخرى، تلعب نيجيريا دورًا محوريًا في هذه الديناميكيات الجيوسياسية والاقتصادية.

في هذا الصراع الحديث، تختلف الديناميكيات بشكل كبير. فقد تحول التركيز من الغزو الإقليمي إلى الغزو الاقتصادي المغلف باستثمارات البنية الأساسية والمساعدات والتحالفات الاستراتيجية. وتتنافس الجهات الفاعلة العالمية الرائدة – مثل الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والقوى الناشئة مثل روسيا وتركيا والهند – على النفوذ في جميع أنحاء أفريقيا من خلال الدبلوماسية والصفقات التجارية ومبادرات التنمية. ورغم استقلالها السياسي، تظل أفريقيا مسرحًا للمنافسة الجيوسياسية الشديدة، حيث تدرك أقوى دول العالم إمكانات القارة وتسعى إلى تأمين حصة من مواردها ومستقبلها الواعد.

إن نيجيريا تشكل محوراً محورياً في مسار أفريقيا باعتبارها الدولة الأكثر سكاناً وأكبر اقتصاد في القارة. والبلاد غنية باحتياطيات النفط، ولديها قطاع تكنولوجي سريع التوسع، وتفتخر بسكانها الشباب والمتنامين بشكل متزايد. وتشير التوقعات إلى أنه بحلول عام 2050، سيكون واحد من كل أربعة أشخاص أفارقة، ومن المتوقع أن تشكل نيجيريا جزءاً كبيراً من هذا التحول الديموغرافي. ويمثل هذا السكان الشباب، بطاقته وإمكاناته، مستقبلاً واعداً، مما يجعل نيجيريا نقطة محورية في صراعات القوة العالمية، حيث يشكل تنميتها واستقرارها في المستقبل أهمية بالغة بالنسبة لأفريقيا والعالم.

ولكن نيجيريا تواجه أيضا العديد من التحديات الداخلية التي تعقّد قدرتها على تعظيم فوائد هذه المعركة الخفية على النفوذ بين القوى العالمية. وتشمل هذه القضايا الفساد المتفشي، والزعامة السياسية غير الفعّالة، والمخاوف الأمنية. وقد خلقت هذه القضايا بيئة هشة للنمو الاقتصادي، حتى مع سعي القوى الأجنبية، كجزء من استراتيجيتها الكبرى، إلى الاستثمار في موارد البلاد وبنيتها الأساسية لتهيئة بلدانها للنفوذ والميزة الاقتصادية.

في السنوات الأخيرة، عُقِدت سلسلة من القمم الدولية رفيعة المستوى بهدف تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية. وتظل هذه القمم، التي يشار إليها غالبًا باسم “الحيلة القديمة” في الدبلوماسية الدولية، فعّالة في الصراع الحديث على أفريقيا. وهي تعمل كمنصات للقوى العالمية للتنافس على النفوذ والشراكات، مما يسلط الضوء على الأهمية المستمرة لأفريقيا في المشهد الجيوسياسي العالمي.

ولكن من المؤسف أن أفريقيا لم تتعلم شيئاً من التاريخ. ومن الأمثلة البارزة على هذه القمم الشراكة القمة الروسية الأفريقية، والقمة بين الولايات المتحدة وأفريقيا، والقمة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، ومؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية، ومنتدى التعاون الصيني الأفريقي.

تمثل كل من هذه القمم محاولة استراتيجية من جانب القوى العالمية لتعزيز العلاقات، وتأمين الشراكات الاقتصادية، وتعزيز موطئ قدمها الجيوسياسي في أفريقيا. على سبيل المثال، يسعى مشروع البوابة العالمية للاتحاد الأوروبي، الذي أُعلن عنه في قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، إلى مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية من خلال تقديم استثمارات كبيرة في البنية الأساسية الأفريقية. وعلى نحو مماثل، سلطت قمة زعماء الولايات المتحدة وأفريقيا الضوء على خطة استثمارية بقيمة 55 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات، مما يعكس التركيز المتجدد من جانب القوى الغربية على استعادة النفوذ في قارة حيث أصبح الوجود الصيني مهيمناً بشكل متزايد.

تظل منتدى التعاون الصيني الأفريقي ركيزة أساسية لتعاون الصين مع أفريقيا. وفي قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي لعام 2024، تعهدت الصين بتقديم 51 مليار دولار أمريكي لـ 30 مشروعًا للبنية الأساسية في جميع أنحاء أفريقيا، مما يضع بكين في وضع يسمح لها بممارسة نفوذ أكبر على القارة. وفي الوقت نفسه، تعمل القوى الناشئة مثل الهند وتركيا ودول الخليج أيضًا على تعميق علاقاتها مع الدول الأفريقية، مما يخلق خيارات شراكة أكثر شمولاً للقادة الأفارقة.

في رقعة الشطرنج العالمية المتطورة هذه، يبقى السؤال: هل نيجيريا مجرد بيدق في أيدي القوى الدولية، أم أنها يمكن أن تصبح لاعباً نشطاً يشكل مصيرها؟ إن الموارد الطبيعية الهائلة في نيجيريا، والتركيبة السكانية، وقطاع التكنولوجيا المتوسع، والموقع الاستراتيجي تجعلها ساحة لعب جذابة للاستثمار الأجنبي والجيوسياسية العالمية. ومع ذلك، فإن قدرة البلاد على الاستفادة من هذه المعركة المتجددة من أجل النفوذ العالمي تتوقف على قدرتها على التنقل في المشهد المعقد للدبلوماسية والشراكات الدولية، بالإضافة إلى جودة الحكم المحلي، وقوة الهجرة، وصعود الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وموقعها في النظام الاقتصادي العالمي الجديد. هذه وظيفة القيادة التي تتمتع بالفهم والمهارة الملاحية اللازمة.

في الوقت الحاضر، تواجه نيجيريا مهمة صعبة لتحقيق التوازن بين هذه التحديات. فمن ناحية، قد تدفع الاستثمارات الأجنبية عجلة تنمية البنية الأساسية المطلوبة بشدة، وخلق فرص العمل، والتقدم التكنولوجي. ومع ذلك، فإن خطر التبعية الاقتصادية وتحدي الحفاظ على السيادة قائمان على الدوام. وقد أثارت الاستثمارات الصينية واسعة النطاق في البنية الأساسية، والتي تمولها في كثير من الأحيان القروض، مخاوف بشأن عبء الديون المتزايد على نيجيريا وإمكانية التعرض لضعف اقتصادي طويل الأجل. وتؤكد هذه المخاوف على الحاجة إلى أن تتبنى نيجيريا نهجاً حذراً، يضمن عدم المساس بالشراكات الأجنبية بسيادة البلاد أو أهدافها التنموية طويلة الأجل. ويتطلب هذا التوازن الدقيق اتخاذ قرارات استراتيجية وفهماً واضحاً للمصالح النيجيرية طويلة الأجل في المشهد الجيوسياسي العالمي.

إن قدرة نيجيريا على الاضطلاع بدور نشط في القارة الأفريقية والديناميكيات العالمية الناشئة ترتبط ارتباطاً وثيقاً باستقرارها الداخلي، وهو ما يتحقق من خلال تعزيز المؤسسات الديمقراطية، وتحسين الأمن، وتعزيز التنمية الشاملة، والحفاظ على بيئة استثمارية مواتية. ولا شك أن نيجيريا لابد وأن تبني اقتصاداً قوياً كأساس لسياسة خارجية فعّالة. ولا يجوز لنا أن نستمر في الترنح من سياسة اقتصادية إلى أخرى ونتوقع أن نحظى بأهمية استراتيجية في هذه الحرب الجديدة من أجل النفوذ من جانب الدول العالمية القوية في القارة.

إن الزعامة النيجيرية تشكل عنصراً أساسياً في نجاحها في هذا الصراع الجديد على أفريقيا. وبدون زعامة ثاقبة واستراتيجية قادرة على فهم الديناميكيات العالمية وتعزيز مصالح نيجيريا في الأمد البعيد، فإن البلاد تخاطر بالتخلف عن الركب في السباق نحو النفوذ الدولي. والحاجة إلى مثل هذه الزعامة ملحة، حيث يتعين على قادة نيجيريا إعطاء الأولوية لاستقلالها الاستراتيجي، والاستفادة من مواردها الهائلة ورأس مالها البشري للتفاوض على شروط مواتية مع القوى العالمية.

إن نيجيريا بحاجة إلى أن تكون أكثر نشاطاً في عالم تشتد فيه المنافسة الجيوسياسية. ولابد أن تعمل سياستها الخارجية على بناء تحالفات مع القوى التقليدية والناشئة مع حماية مصالح البلاد على المدى البعيد. ولابد أن يدرك قادة البلاد أهمية تشكيل مستقبل نيجيريا ومصير أفريقيا الجماعي بشكل نشط. إن نيجيريا، بما تمتلكه من إمكانات وموارد، لها دور مهم في تشكيل مستقبل القارة.

حتى الآن، تبدو التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية النيجيري يوسف مايتاما توغار معقولة، ولكن العمل هو الأهم. إن نيجيريا تدافع عن مبدأ الأبعاد الأربعة، الديمقراطية والديموغرافيا والتنمية والشتات. لقد قادنا إصلاحات الضرائب في الأمم المتحدة ولكن حتى الآن لم نعين ممثلاً دائماً في الهيئة العالمية لمواصلة دفع بنود جدول أعمالنا. ولم تعين نيجيريا بعد سفراء مهمين لجميع بعثاتنا منذ ما يقرب من عام، ومع ذلك نتوقع من العالم أن يأخذنا على محمل الجد في المشاركات الدبلوماسية. يجب أن تكون الزعامة الإقليمية في غرب أفريقيا والقارة هي قوتنا الطبيعية، لكننا أيضًا لا ننجح في القيام بذلك.

وباعتبارها واحدة من أكبر الاقتصادات في أفريقيا، تتمتع نيجيريا بموقع فريد يسمح لها بقيادة القارة في تحديد مواقفها الجماعية في التعامل مع القوى الخارجية. ولكن هذا يتطلب دبلوماسية ذكية ونهجاً أفريقياً شاملاً، حيث تقدم الدول الأفريقية جبهة موحدة في مفاوضاتها مع الجهات الفاعلة العالمية. وإذا تصرفت الدول الأفريقية ككيانات فردية، فإنها تخاطر بالانقسام والغزو من قبل قوى أكبر حجماً تتمتع بموارد أكثر تميزاً ونفوذ استراتيجي أكبر كثيراً.

إن قدرة أفريقيا على الازدهار في هذا العصر الجديد من المنافسة العالمية تعتمد على قدرتها على الاتحاد ككتلة واحدة لتأمين صفقات مفيدة للطرفين مع الشركاء الخارجيين. ومن خلال تبني استراتيجية أفريقية منسقة، تستطيع الدول الأفريقية التفاوض من موقع قوة، مما يضمن استفادتها من المشاركة الأجنبية بدلاً من استغلالها.

إن التنافس الجديد على أفريقيا يطرح فرصاً ومخاطر في الوقت نفسه بالنسبة لنيجيريا. فالاستثمار الأجنبي يوفر مساراً لتطوير البنية الأساسية، والنمو الاقتصادي، والابتكار التكنولوجي. ولكن خطر الاستعمار الجديد والتبعية الاقتصادية يلوح في الأفق مع اعتماد نيجيريا وغيرها من الدول الأفريقية على رأس المال الخارجي لتحقيق التنمية. وكثيراً ما تعمل ثقافة الاعتماد على المساعدات ورأس المال الأجنبي على تثبيط التفكير النقدي والتنمية المؤسسية.

إن مستقبل نيجيريا سوف يعتمد على قدرتها على إدارة هذه التأثيرات الخارجية، وإعطاء الأولوية للمصالح الوطنية، وتعزيز حوكمتها الداخلية. وبفضل الرؤية الاستراتيجية والقيادة الفعّالة، تستطيع نيجيريا أن تحول التنافس العالمي المتجدد على أفريقيا إلى فرصة للتنمية الوطنية، وتضع نفسها في موقع اللاعب الرئيسي على مستوى العالم. ولكن إذا فشلت نيجيريا في التعامل مع هذه التحديات، فإنها تخاطر بتكرار أخطاء الماضي والوقوع فريسة للقوى التي سعت ذات يوم إلى الهيمنة عليها.

إن الصراعات التاريخية والمعاصرة على أفريقيا تتشابه في الطريقة التي تسعى بها القوى الأجنبية إلى استغلال موارد أفريقيا لصالحها. ومع ذلك، فإن الصراع الحديث مدفوع بشراكات اقتصادية وليس الاستعمار المباشر. وبفضل القيادة المثالية، يمكن لنيجيريا أن تكون محورية في هذه المنافسة العالمية الجديدة باعتبارها واحدة من أكثر دول أفريقيا نفوذاً. وفي حين تجلب الاستثمارات الأجنبية فرص النمو، يتعين على نيجيريا أن تتغلب على تحديات التبعية والفساد وقضايا الأمن الداخلي لضمان الاستفادة من الصراع الجديد دون تكرار أخطاء الماضي. ويعتمد مستقبل نيجيريا على قدرتها على إدارة العلاقات الخارجية مع إعطاء الأولوية لمصالحها الوطنية وتطورها.



Source link

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Back to top button